تُعدّ أشجار الصنوبر المثمر من الركائز البيئية والاقتصادية في الغابات اللبنانية، خصوصًا لما لها من أهمية في إنتاج "الحب الأبيض" أو بذور الصنوبر المعروفة. إلا أنّ هذه الأشجار تواجه في السنوات الأخيرة تحديات كبيرة تهدد صحتها وإنتاجها، وتتمثل في ثلاث مشكلات رئيسية، اثنتان منها حشرية خطيرة، والثالثة مرتبطة بالتدخل البشري غير السليم، وتحديدًا التشحيل الجائر.
أولاً: خنفساء قَتْح الصنوبر (Tomicus destruens)
وصف الحشرة وخطورتها:
تُعدّ خنفساء قتح الصنوبر من أخطر الآفات التي تصيب أشجار الصنوبر المثمر في لبنان، وهي المسبب الأول ليباس هذه الأشجار. تهاجم الحشرة البراعم في بدايات الإصابة، ثم تضع بيضها تحت القلف، حيث تتغذى اليرقات على الطبقات الداخلية، مؤديةً إلى ضعف تدريجي فموت الشجرة.
مؤشرات الإصابة:
• في المرحلة الأولى: تظهر علامات اصفرار وتيبّس في رؤوس الأغصان نتيجة تغذي الحشرة البالغة على البراعم، ويصبح من الممكن تمييز الأشجار المصابة عن بعد.
• في المرحلة المتقدمة: تنتشر ثقوب دقيقة على الجذع، وتُلاحظ أنفاق عديدة تحت القلف، مما يؤدي إلى شلل تدفّق العصارة، وبالتالي تيبّس الشجرة بأكملها.
عوامل انتشار الحشرة:
• التشحيل العشوائي، حيث تُفرز الأشجار روائح تجذب الحشرة.
• بقاء الأشجار اليابسة في الغابة، ما يوفر ملاذاً آمناً لتكاثر الحشرة.
أساليب المكافحة:
1. الإدارة الوقائية:
o إزالة وسحب الأشجار اليابسة من الغابة في أسرع وقت.
o في حال تعذر السحب، يُنصح بإزالة القلف أو رش الجذوع بمبيدات بالملامسة مثل
Lambda-Cyhalothrin أو
Deltamethrin، وتغليفها بالبلاستيك لمنع الحشرات من استكمال دورة حياتها.
2. المكافحة الكيميائية:
o رش جذوع الأشجار المصابة والمحيطة بها حتى ارتفاع 6 إلى 10 أمتار، ابتداءً من شهر نيسان حتى نهاية أيلول.
3. المكافحة الحيوية - المصائد الفرمونية:
o توضع مصيدة واحدة لكل دنم بارتفاع 1.5 متر.
o للمراقبة: 2 مصيدة/هكتار. للمكافحة: 10-15 مصيدة/هكتار (مع تباعد 25 متر بين المصائد).
o تغيير الجاذب كل 6 أسابيع.
ثانياً: بقّ الصنوبر (Leptoglossus occidentalis)
وصف الحشرة:
هي حشرة دخيلة منشأها الولايات المتحدة، انتشرت في حوض البحر المتوسط خلال العقدين الأخيرين. تتغذى على بذور الأكواز، وتُعدّ المسبب الرئيسي لتدهور إنتاج "الحب الأبيض".
دورة حياتها:
• جيلان في السنة على الارتفاعات المتوسطة، وجيل واحد فوق 1000م.
• تضع الأنثى البيوض على إبر الصنوبر، وتتحول لاحقًا إلى يرقات تمر بخمسة أطوار.
• تتغذى في الأطوار الأولى على الأوراق، ثم تنتقل للمخاريط والبذور.
أضرارها:
• تؤدي إلى إجهاض الأكواز أو إفراغ البذور من محتواها.
• أنثى واحدة قد تدمر حتى 300 بذرة خلال موسم واحد.
الرصد والمكافحة:
• الكشف البصري خلال الربيع والصيف بدرجات حرارة تتراوح بين 15 و32 مئوية، ورياح دون 15 كم/ساعة.
• لا توجد حالياً طرق صديقة للبيئة لمكافحتها.
• مكافحة جوية بالمبيدات: بالتعاون مع الجيش اللبناني ووزارة الزراعة والفاو، تُرش أحراج الصنوبر المصابة بمبيد
Deltamethrin (ULV) على ارتفاع 10–15 متر بمعدل 1 لتر/هكتار.
• توقيت الرش: من تموز حتى 15 أيلول، مع متابعة النتائج عبر تعداد الحشرات النافقة.
ثالثاً: التشحيل الجائر
وصف المشكلة:
نتيجة ارتفاع تكاليف المحروقات وأجور العمّال، لجأ البعض إلى اتفاقات تجارية غير مدروسة، يحصل بموجبها المشحّلون على الأخشاب مقابل القيام بالتشحيل أو الحصاد. هذا النوع من التشحيل الجائر يؤدي إلى ضعف تدريجي وموت الأشجار.
أضرار التشحيل الجائر:
• إضعاف قدرة الشجرة على الاستمرار والإثمار.
• تسهيل اختراق الآفات، لا سيما الحشرات الخشبية.
• تحفيز نمو غير متوازن وتراجع في إنتاج الأكواز.
التوصيات لتقليم صحي ومستدام:
1. الوقت المناسب:
من تشرين الثاني حتى شباط (فترة السكون الشتوي).
2. الطرق المثلى:
o تقليم داخلي للتيجان لتحسين التهوية والإضاءة وتشجيع نمو المخاريط.
o تقليم التجديد كل 3-5 سنوات، بحيث لا تتعدى الكتلة المزالة 15-20%.
3. تنظيف ما تحت الأشجار:
o إزالة النباتات السفلية لتسهيل الوصول والحصاد.
o تقليل خطر الحرائق.
o تعزيز نمو الصنوبر عبر تقليل التنافس على الموارد.
خاتمة
يمثل الصنوبر المثمر ثروة طبيعية تستحق الحماية من المخاطر البيولوجية والأنشطة البشرية غير المدروسة. إن الإدارة المتكاملة، والالتزام بالممارسات الزراعية السليمة، والتعاون بين الجهات الرسمية والمزارعين، تشكل الأساس للحفاظ على هذه الثروة للأجيال القادمة.
#الزراعة_نبض_الارض
#وزارة_الزراعة
#وزير_الزراعة